منتديات علوي كوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات علوي كوم

    أثر العمل الصالح -4-

    قلم الجريح
    قلم الجريح
    المدير العام
    المدير العام


    ذكر
    عدد الرسائل : 285
    العمر : 50
    الجنسيه : افغانستان
    العمل/الترفيه : : مدير
    الشغله : : افكر
    المزاج : 36-شيخكم
    الاوسمه : أثر العمل الصالح -4- Creative_writer
    تاريخ التسجيل : 04/06/2008

    أثر العمل الصالح -4- Empty أثر العمل الصالح -4-

    مُساهمة من طرف قلم الجريح الخميس سبتمبر 11, 2008 12:47 pm

    أثر العمل الصالح
    في تفريج الكروب
    -4-


    أ.د. فالح بن محمد بن فالح الصغير


    الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية




    ثانيًا: الكربات الحسية:وهي كثيرة، ومنها:
    1- السجن:
    السجن موجود منذ القدم وهو مخصص في الأصل للمخالفين والخارجين على قانون الحاكم والدولة من أصحاب الجنايات، ولكنه يضم بين جنباته بعض المظلومين، ولا سيما في البقاع التي يستعبد فيها الحاكم رعيته، ويطغى عليهم ويظلمهم، ويدعوهم إلى عبادة غير الله، وكان الجب أو البئر يستخدم أحيانًا نوعًا من أنواع السجون، وأيًا كان سبب هذا السجن فإنه كربة تصيب الإنسان في جسده ونفسه وأهله وذويه، وقد ابتلى الله نبيه يوسف عليه السلام بهذه الكربة بنوعيها، كربة الجب حينما وضعه إخوته فيه ليخلو لهم أبوهم، وكربة السجن حينما رفض دعوة امرأة العزيز.
    وليس أمام الإنسان الذي يبتلى بهذه الكربة إلا اللجوء إلى الله في الليل والنهار، وأن لا يقطع أمله بربه وخالقه، وأن يقدم بين يديه سبحانه وتعالى أعمالاً صالحة ودعوات خالصة يبث عبرها عبوديته لله وافتقاره له، وأنه لا ملجأ ولا منجى من الله إله إليه فربما يكون ذلك قريابًا يفرج الله به كربته ويخرجه من سجنه ويجعل له بعد ذلك يسرًا وخيرًا.
    وذلك ما فعله يوسف عليه السلام، حيث كان في ظلمة الجب وكذلك في السجن، لم ينقطع عن ربه الذي هو أرحم من الأم بولدها، ولم يفارقه التضرع والتوسل إلى الله وبث شكواه في ظلمات السجن القاسية وقال بكل إيمان ويقين: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف: 33]، فرغم مكوثه في السجن بضع سنين إلا أن الله تعالى منحه ثمرة ذلك العمل الصالح والدعاء الصادق ألم يقل لامرأة العزيز: (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)؟ [يوسف: 23]، فنال ثمرة ذلك أن جعله الله على خزائن مصر، وجاء إليه بإخوته وأبويه وكان فرجًا كبيرًا من الله على صدق نيته وعمله، حيث استشعر فرحة هذا الفرج لاسيما لقاؤه بأبيه يعقوب عليه السلام وأمه، يقول الله تعالى: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف: 100].
    وكذلك كربة نبي الله يونس عليه السلام في بطن الحوت لم تكن تنفرج عنه لولا أنه ذكر ربه بما يليق بجلاله سبحانه، واعترف بذنبه وضعفه لله تعالى، لما أفرج عنه إلى يوم القيامة، وقد ذكر الله تعالى قصة يونس في أكثر من سورة من القرآن لأخذ العبرة منها في الشدائد والكربات، وأن القلب الخاشع واللسان الذاكر والجوارح القائمة في طاعة الله كفيلة بإخراج صاحبها من الكربات التي تصيبه في الحياة الدنيا، قال جل ذكره: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء: 87، 88].
    ثم يقول جل وعلا في آيات أخر: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[الصافات: 143، 144].
    ويقول صلى الله عليه وسلم: «دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له» ([1]).
    والشواهد على أن العمل الصالح والدعاء الخالص لله تعالى تفرج عن الإنسان كربة السجن كثيرة ورجالها أنبياء ورسل ودعاة وصالحون، فهذا هو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يعاني هذه الكربة لإصراره على كلمة الحق والثبات عليها أو الموت دونها، فكانت ثمرة موقفه هذا أن أخرجه الله من محنته وكربته عزيز النفس، ينهل من علمه الصافي علماء الأمة، وتكسب من بعده الأمة العقيدة السليمة والسنة النبوية الصحيحة، وأصبح إمام أهل السنة والجماعة في عصره وينسب إليه مذهب الحنابلة في الفروع.
    وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية جنى ثمرة صبره في السجن بيقينه في صدق دعوته وإخلاصه لله تعالى، أن صار نبراسًا للأمة ينهل من معين علمه أبناؤها في الشرق والغرب، وكانت قولته المشهورة وهو يعاني كربة السجن: «ما يصنع أعدائي بي؟ أنا سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة».
    وهنا نشير إلى أمر مهم يستفاد مما سبق، وهو أن المسلم يمكن أن يحول هذه الكربة إلى أمر إيجابي كما حوله أنبياء الله ورسله والمصلحون من بعدهم، ذلك أن للسجن عبادة تختلف عن عبادة غيره، ففي السجن يظهر أثر الأعمال القلبية كالتوكل والصبر والإنابة والخشية واللجوء إلى الله، ثم ما انبثق منها مثل قراءة القرآن والذكر المستمر والتأمل في النفس وفي أعمالها، والمحاسبة على ما سبق والتخطيط للمستقبل، ونحو ذلك ويحذر تمام الحذر من الانشغال بالأشياء السلبية التي تضيع على الإنسان وقته ولا تخرجه من كربته مثل الويل والثبور وترديد (لو لم أفعل)، (لو فعلت)، فـ (لو) تفتح عمل الشيطان، وكثرة التشكي والتحسر ونحو ذلك.



    -----------------------------------------------------------
    ([1]) «جامع الترمذي»، رقم (3505)، ص (799).

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 4:31 am